في ذكرى رحيله.. محمد فوزي مدرسة فنية لن تتكرر

الإثنين، 20 أكتوبر 2025 11:36 ص

 محمد فوزي

محمد فوزي

حل اليوم ذكرى وفاة الفنان الكبير محمد فوزي، أحد أبرز رواد الموسيقى والغناء في مصر والعالم العربي، الذي ترك بصمة لا تنسى في الفن العربي رغم رحيله المبكر عام 1966.

تربع على عرش السينما الغنائية والاستعراضية طيلة الأربعينيات والخمسينيات في مصر خلال القرن العشرين، وتميز أسلوبه الفني بالبساطة والبهجة.

تميز بصوته العذب وألحانه المتجددة التي جمعت بين الأصالة والتجديد، كما كان له دور كبير في تطوير الأغنية المصرية.. لم يقتصر عطاؤه على الغناء فقط، بل امتد ليشمل التلحين والتمثيل والإنتاج الموسيقي، مما جعله فنانا شاملا ترك بصمة لا تنسى في تاريخ الفن العربي.

ولد محمد فوزي عبد العال الحو في 15 أغسطس عام 1918 بقرية كفر أبو جندي، مركز قطور، محافظة الغربية.. نشأ في أسرة كبيرة، حيث كان الابن الحادي والعشرين من بين 25 شقيقا وشقيقة، من بينهم المطربتان هدى سلطان وهند علام.

في سن مبكرة، تلقى تعليمه الإبتدائي بمدرسة طنطا وحصل على الشهادة عام 1931، وهناك بدأت موهبته الموسيقية في الظهور بوضوح، متأثرا بأغاني محمد عبد الوهاب وأم كلثوم.

تعلم الموسيقى والغناء على يد أحد رجال المطافئ بطنطا، محمد الخربتلي، الذي كان يصحبه للغناء في الموالد والأفراح، مما صقل حسه الفني مبكرا.. بعد انتقاله إلى القاهرة، التحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى، لكنه لم يكمل دراسته هناك، وفضل احتراف الغناء في الملاهي الليلية وصالات الفن مثل صالة بديعة مصابني وفرقة فاطمة رشدي.

رفض محمد فوزي في البداية كمطرب في اختبارات الإذاعة عام 1938، لكنه قبل كملحن، وهو ما كان بداية حقيقية لمسيرته.. دخل عالم السينما عام 1944 من خلال دور صغير في فيلم "سيف الجلاد"، لكن انطلاقته الحقيقية وأول بطولة سينمائية له جاءت مع فيلم "قبلة في لبنان". 

أسس محمد فوزي شركة "أفلام محمد فوزي" عام 1947، ليصبح أحد أوائل الفنانين المنتجين في السينما المصرية.. قدم أكثر من 37 فيلما، كتب فيها الموسيقى التصويرية ولعب دور البطولة، ومن أبرز أعماله السينمائية "العقل في إجازة"، "حب وجنون"، "غرام راقصة"، "فاطمة وماريكا وراشيل"، و"يا حلاوة الحب".. ورغم محاولته إنتاج أول فيلم ملون في مصر، فإن الشريط الأصلي احترق أثناء نقله من فرنسا.

لم يقتصر عطاؤه على الغناء والتمثيل، بل كان ملحنا فذا، لحن لعدد كبير من كبار المطربين، من بينهم أم كلثوم، شادية، محمد عبد المطلب، وليلى مراد.. من أشهر ألحانه وأغانيه "تملي في قلبي"، "شحات الغرام"، "داري العيون"، "يا مصطفى"، و"كلمني طمني"، بالإضافة إلى أغاني الأطفال التي لا تزال تردد حتى اليوم مثل "ماما زمانها جاية" و"ذهب الليل".

يبلغ رصيد محمد فوزي الغنائي نحو 400 أغنية، تنوعت بين العاطفية والاستعراضية والدينية. لحن لنفسه 239 عملا، و36 أغنية لمطربين، و116 أغنية لمطربات.. غنى فوزي ثلاث أغان فقط من ألحان غيره، وهو ما يبرز تفرده كفنان مكتمل. كما شارك في بطولة 36 فيلما، أنتج منها 18، وأنتج 47 فيلما لم يشارك في بطولتها.

سجل محمد فوزي نقطة مضيئة في التاريخ الفني العربي حين لحن النشيد الوطني الجزائري "قسما" عام 1956، قبل أن يعتمد رسميا عام 1963، ليصبح أول فنان مصري يضع لحنا لنشيد وطني لدولة أخرى.. وفي خطوة رائدة أخرى، أنشأ أول مصنع للأسطوانات في الشرق الأوسط تحت اسم "مصر فون"، مما ساهم في انتشار الأغنية المصرية والعربية في مختلف أنحاء الوطن العربي.

في حياته الشخصية، تزوج ثلاث مرات، الأولى من هداية عبد المحسن، وأنجب منها ثلاثة أبناء: نبيل، سمير، ومنير. ثم تزوج من الفنانة مديحة يسري، وأنجب منها ابنه عمرو الذي توفي صغيرا، وأخيرا تزوج من السيدة كريمة، وأنجب منها ابنته إيمان.

أصيب محمد فوزي في سنواته الأخيرة بمرض نادر لم يكن مشخصا آنذاك، وأدى إلى تدهور حالته الصحية وفقدانه وزنه تدريجيا حتى وصل إلى 36 كجم. سافر إلى ألمانيا والولايات المتحدة للعلاج دون جدوى. وكان يكتب رسائل مؤثرة من المستشفى، عبر فيها عن حبه لوطنه وأطفاله.

توفي محمد فوزي في 20 أكتوبر 1966 عن عمر ناهز 48 عاما، وترك وراءه تراثا فنيا وإنسانيا خالدا.

وبرحيل محمد فوزي، فقدت الساحة الفنية صوتا فريدا ورؤية سبقت عصرها، لكن بقيت أعماله شاهدة على عبقريته الفنية والوطنية.

search