من الأهرامات إلى سور الصين العظيم: إرث الصداقة وآفاق الابتكار

الجمعة، 04 يوليو 2025 02:52 م

ريماس

ريماس

ريماس الصينية

بقلم: ريماس الصينية – الصحفية في CGTN العربية

في الفترة من 9 إلى 10 يوليو 2025، يقوم رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ بزيارة رسمية إلى مصر، ما يمثل معلما هاما في تطور العلاقات الصينية المصرية في العصر الجديد. عندما يلتقي سور الصين العظيم بأهرامات مصر على ضفاف النيل، يكتب حوار الحضارتين العريقتين فصلا جديدا. تأتي هذه الزيارة في الذكرى العاشرة لإقامة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين ومصر، ولا تحمل  فقط تاريخا من العلاقات الودية يمتد لألفي عام، ولكنها تحمل أيضا مهمة عصرية لتعزيز التعاون العملي وخلق مستقبل مشرق معا.

الخيوط التاريخية: حوار حضاري يتجاوز الزمان والمكان

في القرن الثاني قبل الميلاد، ربط طريق الحرير الذي افتتحه تشانغ تشيان في رحلته إلى الغرب بين الصين ومصر بشكل وثيق. وفقا لسجلات "كتاب هان"، تم نقل الحرير الصيني عبر ميناء الإسكندرية المصري إلى الإمبراطورية الرومانية، بينما دخلت المنتجات المصرية مثل الزجاج وورق البردي إلى الصين عبر نفس الطريق التجاري. في عهد أسرة تانغ، بلغت التجارة البحرية بين ميناء قوانغتشو وميناء الإسكندرية ذروتها من الازدهار، حيث لعب الخزف الصيني والتوابل المصرية دورا محوريا في تبادل الحضارات بين الشرق والغرب.

في 30 مايو 1956، أصبحت مصر أول دولة عربية وأفريقية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين الجديدة، وهو قرار استراتيجي أطلق عهدا جديدا في العلاقات بين البلدين. مصافحة الرئيس المصري جمال عبد الناصر ورئيس مجلس الدولة الصيني تشو إن لاي التاريخية وضعت أساسا للعلاقات القائمة على الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة. على مدار 69 عاما منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية، ظلت العلاقات الصينية المصرية تتقدم بثبات رغم تقلبات المشهد الدولي.

في عام 2014، رفعت الصين ومصر علاقاتهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، مما مثل نقلة نوعية في العلاقات الثنائية. خلال زيارته لمصر في عام 2016، استخدم الرئيس الصيني شي جين بينغ تشبيها حيا بقوله "دع صداقة الصين والعرب تتدفق مثل مياه النيل". في السنوات الأخيرة، توالت الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين، حيث زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الصين أو شارك في مؤتمرات دولية عقدت هناك أكثر من عشر مرات، مما يعكس مستوى عاليا من الثقة السياسية المتبادلة.

التعاون العملي: ممارسات ناجحة للمنفعة المتبادلة

وفقا لإحصاءات الجمارك الصينية، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين ومصر 17.38 مليار دولار أمريكي في عام 2024، حيث حافظت الصين على موقعها كأكبر شريك تجاري لمصر لسنوات متتالية. في مجال الاستثمار، تجاوز إجمالي استثمارات الشركات الصينية في مصر 8 مليارات دولار أمريكي، تغطي مجالات متعددة مثل البنية التحتية والطاقة والتصنيع.

تعد منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري في قناة السويس مشروعا بارزا ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، حيث جذب هذا المشروع أكثر من 180 شركة ووفر حوالي 9000 فرصة عمل للمواطنين المصريين. مشروع "جوشي مصر" لإنتاج ألياف الزجاج بطاقة إنتاجية سنوية تبلغ 360 ألف طن، جعل مصر أكبر منتج لألياف الزجاج في أفريقيا.

مشروع الحي المالي في العاصمة الإدارية الجديدة الذي تنفذه الشركات الصينية، يشمل 20 مبنى مرتفعا وبرجا علامة ("آيكون") يبلغ ارتفاعه 385.8 متر، ليصبح بعد اكتماله أطول برج في أفريقيا. كما ساهم مشروع القطار الكهربائي الخفيف في مدينة 10 رمضان في تحسين حركة التنقل لمليون شخص في شرق القاهرة، حيث يبلغ متوسط عدد الركاب اليومي 500 ألف راكب.

في مجال النقل، تعيد المشاريع التي تشارك فيها الشركات الصينية مثل توسعة ميناء الإسكندرية وجسر السكك الحديدية فوق قناة السويس تشكيل منظومة النقل المصرية.

في مجال الطاقة المتجددة، يعد مجمع بنبان للطاقة الشمسية الذي تم بناؤه بالتعاون الصيني المصري أكبر قاعدة للطاقة الشمسية في أفريقيا بقدرة إجمالية تصل إلى 2 جيجاوات. وفي مجال الفضاء، مثل إطلاق القمر الصناعي "مصر سات 2" بنجاح في عام 2022 علامة على دخول التعاون الفضائي بين البلدين مرحلة جديدة.

أصبح الاقتصاد الرقمي أيضا نقطة مضيئة في التعاون الثنائي، حيث يعمل مشروع "مصر الرقمية" الذي تنفذه هواوي بالتعاون مع وزارة الاتصالات المصرية على دفع عجلة التحول الرقمي في مصر.

التبادلات الثقافية: جسور التواصل بين الشعبين

يوجد حاليا في مصر 16 معهدا وفصلا كونفوشيوسيا، حيث يتجاوز عدد دارسي اللغة الصينية 50 ألف طالب. منذ تأسيس قسم اللغة الصينية في جامعة القاهرة، تم تخرج آلاف المتخصصين في الدراسات الصينية. زاد عدد المنح الدراسية التي تقدمها الحكومة الصينية للطلاب المصريين من بضع عشرات إلى أكثر من 360 منحة حاليا تشتمل على مجالات مثل علوم الفضاء وعلوم الحياة والعلوم البحرية والهندسة الميكانيكية وتكنولوجيا المعلومات، بهدف توفير كفاءات عالية الجودة لتنمية المجتمع المصري.

في عام 2024، تجاوز عدد السياح الصينيين الذين زاروا مصر 15.7 مليون سائح، بينما استمر عدد السياح المصريين الذين يزورون الصين في النمو. ينظم البلدان فعاليات مشتركة مثل السنوات الثقافية ومهرجانات الفنون لتعزيز الحوار الحضاري. في مجال الآثار، تعمل البعثة الأثرية الصينية المصرية المشتركة في مواقع مثل الأقصر على استكشاف أصول الحضارة الإنسانية.

التعاون الدولي: رؤية مشتركة للتنمية العالمية

على الساحة الدولية، تقدم الصين ومصر الدعم لبعضهما البعض باستمرار. تدعم مصر بنشاط مبادرة التنمية العالمية التي طرحتها الصين، بينما تدعم الصين بحزم دور مصر الأكبر في الشؤون الدولية والإقليمية. في إطار الأمم المتحدة وآلية تعاون دول البريكس، يحافظ البلدان على اتصال وثيق حول قضايا عالمية مثل مكافحة الإرهاب وتغير المناخ.

نحو مستقبل مشترك لمصير مشترك

من الأهرامات إلى سور الصين العظيم، تظل الصداقة الصينية المصرية متجددة رغم مرور الزمن. ستضيف زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ زخما جديدا لتطوير العلاقات الثنائية. على أعتاب مرحلة تاريخية جديدة، ستواصل الصين ومصر تعميق التعاون في جميع المجالات، والعمل معا لدفع بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، والإسهام بشكل أكبر في السلام والتنمية العالميين.

search