لوكا ستاينمان والحرب كما رويت في كتاب الجبهة الروسية "Il Fronte Russo"
الأربعاء، 17 سبتمبر 2025 01:00 م

لوكا ستاينمان
في النزاعات الحديثة، كثيراً ما يتعرض الصحفيون لضغط من الحكومات والأطراف المتحاربة وحتى من جماهيرهم، لكي يتخذوا موقفاً جانبياً. والنتيجة تكون تغطية إخبارية قد تميل من الموضوعية إلى الدعاية، حيث تُقدم الحقائق من خلال عدسة أيديولوجية بدلاً من عرضها كما هي.
لكن كتاباً واحداً يعارض هذا الاتجاه ويحظى باهتمام دولي متزايد هو Il Fronte Russo، لكاتب الحرب الإيطالي لوكا ستاينمان.
على الرغم من أن عمره 35 سنة فقط، سجل لوكا ستاينمان أكثر من عقد من الزمن في خطوط المواجهة حول العالم، حيث غطى أحداثاً في سوريا ولبنان وأفغانستان والقوقاز، وأبرزها في روسيا وأوكرانيا.
في كتابه الأخير، يروي نحو عام قضاه داخل المناطق التي تسيطر عليها القوات الروسية مثل دونباس وجنوب أوكرانيا، وهي مهمة جعلته من قلة قليلة من الصحفيين الغربيين الذين تواجدوا هناك. وعلى الرغم من أنه كتب لوسائل إعلام غربية متعاطفة إلى حد كبير مع كييف، إلا أنه عاش بين المدنيين تحت القصف وتشارك الخنادق مع الجنود الروس، متابعاً هجماتهم وتقدمهم وتراجعهم.
جعلته هذه الاستقلالية في وضع حساس جداً، حيث قد يُنظر إليه في الغرب على أنه "مؤيد لروسيا" لتواجده بين قوات العدو، وفي روسيا كجاسوس محتمل. يقول ستاينمان: «علمتني تلك الوضعية الحرجة والدقيقة درساً مهنياً عظيماً. دفعتني لأن أكون أكثر دقة وصلابة في الدفاع عن مصداقية عملي ضد الضغط من كلا الجانبين. أجبرني ذلك على عدم اتخاذ موقف سياسي بل الدفاع فقط عن استقلالية تقاريري.»
يشير نجاح Il Fronte Russo إلى أنه نجح في ذلك. فقد حل الكتاب ضمن الأكثر مبيعاً على أمازون في إيطاليا، ويُنشر حالياً في الخارج، وآخر إصداراته بالعربية عن دار يستورون.
بينما هو جزء تقارير، وجزء يوميات، وجزء تحليل جيوسياسي، يتميز Il Fronte Russo بمزيج من الدقة الصحفية والقوة السردية. تتعدى صفحاته سرد المعارك والمناورات الاستراتيجية، لتركيز على الحياة اليومية: تعب الحياة في الخنادق، خوف القصف، التضامن الذي يولد في أوقات الأزمات، والصمود الهادئ للقُرى بأكملها. تكسر هذه الشهادات الشخصية منطق الأرقام والإحصائيات لتُعطي للحرب وجهًا إنسانياً.
الكتاب هو أيضاً رحلة عبر مناظر طبيعية مدمرة: مدن تحولت إلى أنقاض، حقول جرحتها المدفعية، وآفاق لا تُمحى من ذاكرة النزاع. هنا يظهر الصوت المزدوج لستاينمان؛ من جهة الصحفي الدقيق المشدد على التفاصيل، ومن جهة الكاتب القادر على تحويل الملاحظة إلى صور حية وكثيراً ما تكون مؤثرة.
كما يضع الحرب في سياق أوسع، معيداً جذورها إلى التوترات غير المحلولة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. والأهم من ذلك، أنه يتجنب الثنائيات السهلة؛ فالكتاب يقدم رؤية متوازنة وليس دعاية، مصوراً تعقيد كلا المقاتلين والمدنيين.
أكثر من كونه سجل حرب، يُعد Il Fronte Russo تأملاً في طبيعة الصحافة نفسها — في قول الحقيقة في زمن الرقابة والدعاية والخطر. إنه دفاع عن الاستقلال وشهادة ستظل وثيقة تاريخية.
لمن يرغب في فهم أعمق ليس فقط السياسة والديناميات العسكرية للحرب في أوكرانيا، بل أيضاً بُعدها الإنساني، فإن كتاب ستاينمان هو قراءة أساسية. وراء كل خط مواجهة، يذكرنا، هناك حياة وقصص وأشخاص.
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
محافظ القاهرة: توجيهات القيادة بعدم حرمان أي طالب غير قادر من التعليم
17 سبتمبر 2025 03:05 م
الأكثر قراءة
-
د. هادي التونسي يكتب: هؤلاء الڤايكنج
-
وزارة الصحة: إصدار 776 ألف قرار علاج على نفقة الدولة بتكلفة 6.3 مليار جنيه في شهرين
-
لوكا ستاينمان والحرب كما رويت في كتاب الجبهة الروسية "Il Fronte Russo"
-
وزير الاستثمار يبحث مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار تعزيز التعاون ودعم الإصلاح الاقتصادي
-
الرئيس السيسي وقرينته يستقبلان اليوم بقصر الاتحادية ملك وملكة إسبانيا
أكثر الكلمات انتشاراً