د. هادي التونسي يكتب: هؤلاء الڤايكنج

الأربعاء، 17 سبتمبر 2025 11:44 ص

د. هاني التونسي _ سفير سابق

د. هاني التونسي _ سفير سابق

من هم هؤلاء القراصنة الذين روعوا قارة بأكملها؟ من اين أتوا و ماذا فعلوا و ماذا كانت دوافعهم ؟ كيف كانت حياتهم و ما تأثيرهم و كيف ذهبت ريحهم؟

صقيع ورياح، ثلوج و ظلام، حيوانات قطبية و مخاطر خفية، لصوص و سحرة ، و موتي و حسرة؛ نيران و دخان، فنلنديون يحرقون غابات الشمال للزراعة، يأنفون من بدائية السكان و روائح المكان، أراض تزرع و أخشاب تباع، طرق تعبد و بيوت تشيد، ملاحون و تجار، مزارعون و صناع، صيد اسماك و نمو أسواق، مواني و تجارة، سفن و حملات، قرصنة و غزوات، حروب و هجرات،فظائع و مذابح، مراكز تجارية و بؤر إستيطانية، أسري و عبيد، غنائم و هزائم، إقطاعيات و أبعديات، نبلاء و جنود، ممالك تتوسع، و هجرات تستقدم، اختلاط أجناس و اكتساب أديان،حرف تنتشر و تجارة تزدهر، علو و أفول.

هكذا كان شأن الڤايكنج الشعوب النوردية الچرمانية بين القرنين الثامن و الحادي عشر؛ تلك الطبيعة القاسية و المناخ القارس و ظلام الشتاء الدامس و زيادة السكان و فقر المكان في الغذاء و الأمان أوجد شراسة محاربين غزوا القارة الأوروبية  بمراكب القراصنة الطويلة، و اعملوا فيها السلب و السبي و القتل و الدمار ، جلبا للمقتنيات و استيلاء علي الارض و بيعا للعبيد.

بشكل عام غزا النرويجيون ايسلندا و جرينلاند و انجلترا واستوطنوا شمال امريكا قبل اكتشافها بقرون، اما الدنماركيون فطالت غزواتهم و طرق تجاراتهم كل غرب اوروبا و جنوب الأندلس  مرورا بالمغرب العربي، فأسسوا مدنا أيرلندية مثل دبلن و يورك في إنجلترا  ،احتلوا سواحل أسكتلندا و مناطق في شمال و جنوب إنجلترا و غرب فرنسا في نورماندي المشتقة من اسم النورمان ؛ رجال الشمال الذين غزوا إيطاليا و إنجلترا و ساهموا في الحروب الصليبية، ثم مرورا بالأندلس و بالمغرب العربي رغم هزائمهم في الأندلس .

كذلك امتدت طرق السويديين التجارية عبر مناطق السلاف و استوطنوها، فأسسوا كييف التي بدأت منها القومية الروسية، و عبر الطريق الي بحر قزوين و البحر الأسود والأناضول حتي بغداد  ، وبنوا قرب الانهار مراكز تجارية و استيطانية ،بل كان منهم حكام.

اختلط النرويجيون و الدنماركيون بالسكان مثلما حدث في إنجلترا و فرنسا و الي حد اقل في الأندلس اذ استقر بعضهم و عمل بالزراعة و التجارة والحرف بل كان منهم من أسلم في الأندلس ، و نتيجة للاستيطان وللاختلاط بسكان أوروبا و فرنسا تخلوا عن الوثنية و دخلوا في الديانة المسيحية، كما اثرت الثقافة الإسكندنافية علي الادب و الصناعات اليدوية في إنجلترا و أيرلندا  .

في البداية عمل سكان الشمال بالزراعة و صيد الأسماك ، و عندما شيدت الطرق و المواني باعوا الفراء و الأخشاب و الكهرمان و العبيد المأسورين من السلاڤ و الآيرلنديين في أسواق العرب للحصول علي الفضة و شراء احتياجاتهم، و اشتروا التوابل و الملح و الأحجار و الأقمشة و الأواني ، و مع تكون طبقة النبلاء و حكام الممالك تحول بعض المزارعين و دافعوا الضرائب الي جنود و بحارة للغزوات. و لهذا مع غيابهم علا شأن النساء في خدمة مجتمعاتهم فكان لهن حق الملكية و الميراث و اختيار الاماكن، ومنهن اثرياء و فلاحات و عبيد و خياطات و نساجات و ساحرات، أما الرجال فغير الجنود و القراصنة  و البحارة و المستكشفين الغائبين كان منهم التجار و العبيد و الحرفيون و الفلاحون و الحكام الذين تأثروا بنظم إنجلترا و المانيا.

شكلت الممالك الإسكندنافية و الغزوات خطورة علي الممالك الأوروبية المجاورة، إلا انه مع القرن الحادي عشر كثرت الثورات ضدهم من الروس و الفنلنديين و الأسكتلنديين و انتهي شأنهم بهزيمة النرويجيين في إنجلترا في نهاية القرن الحادي عشر

تاريخ الڤايكنج مثال ان الدول القائمة فقط علي الاستيطان  و الغزو قد  تذهب سطوتها بتراجع قوتها و ثورة الشعوب المحتلة ضدها، و مع ذلك فذوبان من استوطنوا في الدول المحتلة يسفر عن اختلاط عرقي و ثقافي و ديني. و إذا كان الڤايكنج يتم تقديمهم كمثال للوحشية و الهمجية إلا ان ظروف معيشتهم قد تكون أجبرتهم علي الغزوات بغريزة البقاء. في النهاية يبقي ان التجارة اسفرت عن تطور تكنولوجي بتبادل المعارف و الحرفيين و عن تلاقح ثقافات، و ان الڤايكنج تغلغلوا عرقيا في الشعوب الأوروبية ، و ان سيرة التاريخ هي ان البقاء للاقوي، و ان من عابوا علي الفايكنج وحشيتهم، فعلوا فيما بعد ما هو أفظع في حروبهم و استعمارهم. القوي يفرض نفوذه و مصالحه، و الضعيف يتشدق بقيم و قوانين، قد يكون أول من يخترقها إذا توافرت له القوة. في الجوهر الإنسان واحد غريزيا و ان اختلف التعليم و التربية و العرق و الدين و الثقافة.

search