قوه تشينغ يان تعلن انطلاق منتدى “حوار الحضارات الكلاسيكية بين الصين والعالم العربي

الخميس، 12 يونيو 2025 06:33 م

قوه تشينغ يان تعلن انطلاق منتدى “حوار الحضارات الكلاسيكية بين الصين والعالم العربي

قوه تشينغ يان تعلن انطلاق منتدى “حوار الحضارات الكلاسيكية بين الصين والعالم العربي

وسط حضور رفيع من نخبة المفكرين والخبراء من الصين والعالم العربي، أعلنت السيدة قوه تشينغ يان، نائب مدير مركز نيشان لدراسات الكونفوشيوسية، افتتاح أعمال المنتدى الموازي لمنتدى نيشان العالمي للحضارات، والذي يُعقد هذا العام في العاصمة المصرية القاهرة، تحت شعار: “حوار الحضارات الكلاسيكية بين الصين والعالم العربي”.

وفي كلمتها الافتتاحية، عبّرت قوه عن امتنانها العميق للجهات المضيفة والمشاركين، مشيدة بمكانة القاهرة التاريخية والثقافية، وواصفة إياها بأنها “مدينة عظيمة ذات حضارة ضاربة بجذورها في التاريخ”، مؤكدة أن اختيار مصر لتنظيم المنتدى يعكس الاحترام الكبير الذي تكنه الصين للحضارة العربية، وحرصها على بناء جسور تواصل معرفي وثقافي مستدام مع شعوب المنطقة.

وأوضحت أن المنتدى يمثل منصة عالمية للتبادل الحضاري أطلقتها الصين انطلاقًا من إيمانها العميق بأهمية الحوار كقيمة إنسانية أساسية، مشيرة إلى أن الدورة الأولى لمنتدى نيشان انعقدت في سبتمبر الماضي بمقاطعة شاندونغ – مسقط رأس الحكيم الصيني كونفوشيوس – بحضور أكثر من 300 شخصية فكرية وأكاديمية من 51 دولة حول العالم.

وأضافت أن المنتدى الموازي الأول عُقد في كوريا الجنوبية خلال مايو الماضي، أما المنتدى الموازي الثاني فيُقام الآن في مصر، “قلب العالم العربي”، ما يعكس – بحسب قولها – عمق العلاقات الثقافية الصينية العربية، ويجسد الصداقة التاريخية التي تربط بين الشعبين.

وتحدثت قوه عن الروابط الحضارية العريقة بين الصين والعالم العربي، مشيرة إلى أن التواصل بين الجانبين يمتد لأكثر من ألف عام، تَمثّل في حركة تبادل علمي وتجاري ومعرفي نشطة، من خلال طريق الحرير، وكذلك عبر زيارات الرحالة مثل ابن بطوطة، والتبادلات العلمية في الطب والفلك والرياضيات، ما أسهم في تشكيل مشهد حضاري عالمي ثري ومتنوع.

وأكدت أن الحضارتين الصينية والعربية ساهمتا بشكل فاعل في تقدم البشرية، وأنهما تشتركان في الإعلاء من قيمة الإنسان، والأخلاق، والعلم، والتسامح، موضحة أن أحد الأهداف الرئيسة للمنتدى هو التأكيد على أن الحضارات لا تتصارع بطبيعتها، وإنما تتكامل وتتعايش، وأن الفهم المتبادل هو السبيل لتحقيق مستقبل مشترك أكثر ازدهارًا وسلامًا.

وشددت نائب مدير مركز نيشان على أهمية بناء شراكات معرفية راسخة بين المؤسسات الصينية والعربية، من خلال تعزيز الترجمة المتبادلة للنصوص الكلاسيكية، وتوسيع دوائر التعاون البحثي، وتفعيل برامج التبادل الأكاديمي بين الجامعات والمعاهد الثقافية، مؤكدة أن هذه الخطوات لا تُثري فقط الرصيد المعرفي للطرفين، بل ترسّخ لمرحلة جديدة من التعاون الإنساني العابر للحدود.

وأشارت قوه إلى أن المنتدى يحظى بدعم كبير من عدد من الجهات الصينية والعربية، حيث يُنظّم بالتعاون بين مركز نيشان لدراسات الكونفوشيوسية، والمعهد الصيني للفكر والحضارة الكلاسيكية، وبشراكة مع جامعة القاهرة والمجلس الأعلى للثقافة، وبدعم من سفارة الصين لدى مصر، ما يمنحه بعدًا ثقافيًا ودبلوماسيًا يعزز من رسالته وأهدافه.
واختتمت قوه كلمتها بالتأكيد على أن لقاء الحضارات ليس مجرد مناسبة ثقافية، بل رسالة عالمية تؤكد أن القيم الإنسانية المشتركة قادرة على مواجهة تحديات العصر، وأن بناء مجتمع عالمي يسوده السلام والاحترام والتفاهم المتبادل يبدأ من حوار صادق بين الثقافات.

من جانبه قال رئيس جامعة شاندونغ للمعلمين، البروفيسور فنغ جي كانغ، إن “الجمال المشترك” هو بوابة العالم المتناغم في الفلسفة الكونفوشيوسية.
وسلّط الضوء على جوهر الفلسفة الكونفوشيوسية من خلال مفهوم “الجمال المشترك”، باعتباره المسار نحو عالم يسوده التناغم، وتتلاشى فيه النزاعات والانقسامات.

وقال فنغ خلال خطابه،"يسعدني أن أشارككم اليوم رؤيتي حول عنوان يحمل في طياته عمقًا فكريًا وإنسانيًا كبيرًا، وهو: الجمال المشترك – المثَل الأعلى لعالم متناغم في الفكر الكونفوشيوسي.”

واستعرض فنغ الجذور الفكرية لهذا المفهوم، موضحًا أن مصطلح “داتونغ” (大同)، والذي يعني “العالم المتناغم”، ورد في أحد أمهات الكتب الكونفوشيوسية وهو كتاب “الطقوس”، حيث صاغه الفيلسوف الصيني العظيم كونفوشيوس ليعبّر من خلاله عن حلمه بمجتمع مثالي يتسم بالعدالة والمساواة والحكمة في الحكم.

ونقل فنغ مقولة كونفوشيوس الشهيرة:
“عندما يسود الطريق العظيم، يصبح العالم مشتركًا بين الجميع، ويُختار أصحاب الكفاءة والفضيلة، وتُصان الأمانة، وتُبنى علاقات حسن الجوار، فلا مكان للمؤامرات، ولا حاجة لإغلاق الأبواب ليلاً. هذا هو المجتمع المثالي: داتونغ.”

وأشار إلى أن جوهر هذا المجتمع يقوم على العدالة والانسجام، وتكافؤ الفرص، والعيش المشترك القائم على الثقة والتفاهم.
واستشهد فنغ بما قدّمه المفكر الصيني الكبير فَيْ شياو تونغ الذي لخّص هذا الطموح الأخلاقي في عبارة شهيرة من ستة عشر حرفًا صينيًا، قال فيها: “لكلٍّ جماله، ويجب تقدير جمال الآخرين، ومعًا نتشارك الجمال، لنصل إلى عالم متناغم.”

وأكد فنغ أن مفهوم “داتونغ” ليس فقط حلماً صينياً، بل هو طموح إنساني عالمي، يهدف إلى بناء مجتمع عالمي يتجاوز النزعات القومية الضيقة والانقسامات الثقافية، وينشد السلام والتفاهم كقيمة عليا.

وتابع: “لقد ظل هذا المثَل الأعلى متقدًا في الفكر الصيني لأكثر من ألفي عام، من كونفوشيوس إلى سون يات سين، إلى رؤيتنا المعاصرة في بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية.”

واعتبر رئيس جامعة شاندونغ أن تعاظم النزاعات الجيوسياسية والاضطرابات الحضارية في العالم اليوم يُبرز أهمية إحياء مفاهيم مثل “عالم واحد، عائلة واحدة”، و”العالم المتناغم”، مشيرًا إلى أن هذه المفاهيم ليست شعارات مثالية، بل حلول واقعية تنبع من حكمة صينية عريقة.

وشدد على أن الفكر الصيني المعاصر يُعلي من شأن المصلحة البشرية ككل، ويضعها فوق كل مصلحة وطنية ضيقة، مؤكدًا أن تحقيق تنمية إنسانية مستدامة لا يمكن أن يتم إلا عبر احترام التنوّع وتقدير الفوارق، من خلال “فلسفة الجمال المشترك”.
كما أشار فنغ إلى خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ في الأمم المتحدة عام 2015، حيث شدد فيه على أن “السلام، والتنمية، والعدالة، والمساواة، والديمقراطية، والحرية” هي قيم إنسانية مشتركة يجب أن نتمسك بها لبناء عالم يقوم على المصير المشترك.

وأضاف: “لقد تبنّت الصين دائمًا مبادئ حسن الجوار والتكامل الحضاري، وسعت إلى تحقيق نموذج مثالي للتعاون العالمي، يتجسد في طموح ‘أربع بحار عائلة واحدة’ و’داتونغ’.”

وفي ختام كلمته، دعا فنغ جي كانغ المجتمع الدولي إلى التمسك بفلسفة “الجمال المشترك”، ونبذ الأنانية والانغلاق، والعمل المشترك من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وإنصافًا، تسوده الأخلاق وتزدهر فيه الحضارات.

وقال:"فلنُقبل على العالم بقلب مفتوح، ولنصنع جميعًا مستقبلاً يشبه أحلام الإنسانية: عادل، منسجم، ومشرق.”

وشهدت الجلسة الافتتاحية للمنتدي مشاركة متميزة من نخبة من الأكاديميين والمثقفين، إلى جانب عدد من الباحثين الصينيين المتخصصين في الشأن العربي، ما أضفى على النقاشات طابعًا غنيًا من التعدد والتنوع المعرفي.

search