هادي التونسي يكتب : انطونيو جوتيريش أمين عام الأمم المتحدة
الثلاثاء، 03 يونيو 2025 10:24 م

هادي التونسي يكتب : انطونيو جوتيريش أمين عام الأمم المتحدة
كيف لمهندس وأكاديمي متدين ان يصبح برلمانيا و زعيم حزب و رئيس وزراء و قائدا لتنظيمات قارية و حزبية و دولية حتي اختير امينا عاما للامم المتحدة؟ و كيف يمكن ان يكون بذلك التفرد و التفوق حتي اختير في بلده البرتغال باستقصاءات رأي افضل طالب و افضل رئيس وزراء علي مدي ثلاثين عاما؟ و كيف، و هو من بلد غربي عضو في الناتو ،جمع في شخصه بين براجماتية السياسيين و تفكير المهندس العلمي المنهجي و نبل و رفاهة الاحساس حتي كان مفوض الامم المتحدة السامي لشئون اللاجئين، اضافة لاعتنائه بالمساواة بين الجنسين و حقوق الانسان و المستضعفين.؟ و هل يمكن في عالم تتصارعه المصالح و النزاعات ان يتمتع القادة بتركيبة تجمع بين العقلانية العميقة و الإحساس الإنساني العالي و القدرة علي التحمل و الصبر في مواجهة الكوارث، و علي التواصل و التفاوض بتعاطف و تواضع و قدرة علي الإنصات مع التمسك بالمبادئ الشخصية و اعلاء الكرامة الإنسانية ؟
بعد تركه التدريس الجامعي عمل كبرلماني منذ بلغ ٢٧ عاما في لجان متعددة لشؤون الاقتصاد والمالية والتخطيط، و لشئون الإدارة الإقليمية والمجالس البلدية والبيئة. وقاد أيضا المجموعة البرلمانية لحزبه.في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا رئيسا للجنة الديموغرافيا و الهجرة و اللاجئين، بل كان زعيما للحزب الاشتراكي البرتغالي و رئيسا للوزراء و رئيسا للإشتراكية الدولية و مجلس أوروبا،و عضوا في نادي مدريد، الذي يضم تحالف القيادات الديمقراطية المكون من رؤساء ورؤساء وزراء سابقين من جميع أنحاء العالم.
و خلال خدمته كرئيس وزراء ١٩٩٥- ٢٠٠٢ حرص علي إحكام قبضته على الميزانية والتضخم في محاولة لضمان استيفاء البرتغال لمعايير تقارب اليورو بحلول نهاية العقد، فضلًا عن زيادة معدلات المشاركة في سوق العمل، وخاصةً بين النساء،و تحسين تحصيل الضرائب واتخاذ إجراءات صارمة ضد التهرب الضريبي، و زيادة مشاركة القطاعات المشتركة والطوعية في تقديم خدمات الرفاه،و توفير الحد الأدنى المضمون من الدخل المطبق باستطلاع الموارد وزيادة الاستثمار في التعليم، ثم مع التوسع الاقتصادي زاد الإنفاق علي الرفاهية و الاسراع ببرامج الخصخصة.و اهتم بوجه خاص بالتنمية الاجتماعية و مشاكل اللاجئين و الفقراء و المستهلكين، و في السياسة الخارجية لانهاء الميراث الاستعماري لبلاده عمل علي تدخل الامم المتحدة في حل مشكلة تيمور الشرقية بعد استقلالها عن إندونيسيا، و قاد مفاوضات لتسليم ماكاو للإدارة الصينية. و تميزت طريقته في حل المسائل الشائكة داخليا بطرحها للحوار و النقاش.
خلال سنوات دراسته الجامعية، انضم جوتيريش إلى مجموعة النور، وهو نادٍ للشباب الكاثوليك، و هو اضافة لنشأته في بيئة كاثوليكية محافظة ما انعكس لاحقاً في نزعته الأخلاقية والإنسانية، حيث ظل طوال مسيرته مسكونًا بهمّ العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.و هو ايضا ما دعم عمله كمفوض سامي للامم المتحدة لشئون اللاجئين ٢٠٠٥-٢٠١٥ أثناء بعضٍ من أخطر أزمات التشرد والنزاعات في سوريا والعراق، والأزمات في جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى واليمن حين حدث ارتفاع كبير في أنشطة المفوضية إذ ازداد عدد المشردين بسبب النزاعات والاضطهاد ، بل ظهر مجددا في دوره الرائد كأمين عام للأمم المتحدة لانهاء معاناة اهل غزة في شجاعة أخلاقية تصر علي وقف إطلاق النار و جرائم الإبادة و التهجير.
في منصبه امينا عاما للأمم المتحدة يتحرك جوتيريش بدافع عميق من الإيمان بقدرة المجتمع الدولي على تجاوز الانقسامات، وإيجاد حلول سلمية للصراعات. من الواضح ان من قضاياه الجوهرية الدفاع عن الفئات المستضعفة، خصوصاً اللاجئين والنازحين. هذا الدافع الإنساني ينبع من قناعته الراسخة بأن الكرامة الإنسانية لا يجب أن تكون موضوعاً تفاوضياً. و لديه ذكاء سياسي عاطفي، حيث يجمع بين البراجماتية والرحمة.و يمتلك مهارات تفاوضية عالية، وقدرة نادرة على الإنصات، وهو أمر يجعله مقبولًا من أطراف سياسية متباينة. كما أن صبره واتزانه العاطفي يُعطيانه القدرة على العمل تحت ضغط هائل دون أن يتخلى عن ثوابته.
و كوسيط متعاطف يعتبر من الشخصيات التي تنبع قوتها من قدرتها على بناء جسور الثقة، وإدارة النزاعات عبر خلق مساحات آمنة للحوار. حيث يميل إلى التفكير المنهجي ويملك تحكماً جيداً في عواطفه، لكنه يُظهر أيضاً حساسية مرهفة تجاه معاناة الآخرين. وربما يعود ذلك إلى تاريخه في العمل مع اللاجئين، حيث طور قدرة نفسية على التعايش مع الألم دون أن يُصاب بالشلل العاطفي، بل يحوله إلى طاقة دفع نحو الفعل.
فالقيادة الحقيقية لا تقاس فقط بقدرة القائد على إصدار الأوامر أو التفاوض، بل بقدرته على الإصغاء، على التواضع، وعلى التمسك بالقيم حتى في أحلك الظروف.و كمهندس فالتخصصات العلمية يمكن أن تكون بوابة إلى فهم منظم ومعمق للمشاكل الإنسانية، إذا ما اقترنت بالحس الأخلاقي والاهتمام بالشأن العام، و ختاما هو ليس مجرد موظف دولي رفيع، بل هو ضمير إنساني متنقل بين العواصم المتصارعة، يحمل في قلبه تطلعات ملايين الضعفاء والمنكوبين. قد لا يمتلك عصا سحرية لحل جميع الأزمات، لكنه يمثل صوت العقل والضمير في عالم يبحث عن التوازن بين المصالح والمبادئ. إن فهم شخصيته وسيرته هو تذكير لنا بأن الإنسانية، حين تتحالف مع الذكاء والإرادة، يمكن أن تصنع فرقًا حقيقيًا حتى في أكثر البيئات تعقيدًا.
د.هادي التونسي
طبيب و سفير سابق
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
محافظ أسيوط يفتتح قاعة كبار الزوار بعد تطويرها استعدادًا لاستقبال المهنئين بعيد الأضحى
05 يونيو 2025 05:28 م
«تموين الإسكندرية» تضبط جزارًا يبيع لحومًا مجمدة على أنها بلدية
05 يونيو 2025 12:35 م
3 قوافل مجانية للحفاظ على الثروة الحيوانية بالمنوفية
05 يونيو 2025 12:33 م
محافظ دمياط يتابع استعدادات مديرية التموين لاستقبال عيد الأضحى المبارك
04 يونيو 2025 10:03 م
تشكيل لجان للمرور على محال الجزارة والمجازر بكافة مراكز ومدن المحافظة
04 يونيو 2025 10:00 م
محافظ سوهاج يعقد اجتماعًا لبحث الاستعدادات النهائية لامتحانات الثانوية العامة
04 يونيو 2025 05:46 م
أكثر الكلمات انتشاراً